كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال: إنّ قريشًا قد جمعوا لك جموعًا وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادّوك عن البيت الحرام.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم أشيروا عليّ أيها الناس أترون أني أميل على ذراري هؤلاء الذين عاونوهم فنصيبهم فإن قعدوا قعدوا موتورين وإن لجوا تكن عنقًا قطعها الله أو ترون نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فقال أبو بكر يا رسول الله إنما جئت عامدًا لهذا البيت لا نريد قتال أحد ولا حربًا فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال امضوا على اسم الله فنفروا قال النبيّ صلى الله عليه وسلم إنّ خالدًا بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بغبرة الجيش فانطلق يركض نذيرًا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته. فقال الناس: حل حل فألحت فقالوا: خلأت أي حرنت القصواء.
فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال: والذي نفسي بيده لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يعظمون فيها حرمات الله وفيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها ثم زجرها فوثبت. قال: فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل من الماء يتبرضه الناس تبرضًا فلم تلبث الناس أن نزحوه وشكا الناس إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم العطش فنزع سهمًا من كنانته وأعطاه رجلًا من أصحابه يقال له ناجية بن عمير وهو سائق بدن النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزل في البئر فغرزه في جوفه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة فقال: إني تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي نزلا مع جمع أعداد مياه الحديبية ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت الحرام فقال النبي صلى الله عليه وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وإنّ قريشًا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤوا ماددتهم مدّة ويخلوا بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جموا وإن أبوا فو الذي نفسي بيده لاقاتلنهم على أمري. هذا حتى تنفرد سالفتي ولينفذن الله أمره فقال بديل: سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئناكم من هذا الرجل وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول قال: سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: أي قوم ألستم بالوالد. قالوا: بلى قال: أولست بالولد. قالوا بلى. فقال فهل تتهموني قالوا: لا قال: ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا عليّ جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني.
قالوا: بلى. قال:
فإنّ هذا الرجل قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قالوا: ائته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوًا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك: أي محمد أرأيت إن استأصلت قومك فهل سمعت أحدًا من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فو الله إني أرى وجوهًا وأشوابًا من الناس خليقًا أن يفرّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر الصدّيق: امصص بظر اللات والعزى أنحن نفر عنه وندعه. فقال: من ذا. قالوا: أبو بكر فقال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف وقال: أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع عروة رأسه وقال: من هذا قالوا: المغيرة بن شعبة فقال: أي غدر ألست أسعى في غدرتك. وكان المغيرة صحب قومًا في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم أمّا الإسلام فهدم ما قبله وأمّا المال فلست منه في شيء ثم إنّ عروة جعل يرمق أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم بعينيه قال: فو الله ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له. فرجع عروة إلى أصحابه فقال: أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن أي ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدًا والله إن أي ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم وما يجدون النظر إليه تعظيمًا له وأنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا: ائته فلما أشرف على النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه قال النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا فلان من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدّوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدّوا عن البيت.
ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة وكان يومئذ سيد الأحابيش. فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنّ هذا من قوم يتألهون فابعثوا بالهدي في وجهه حتى يراه فلما رأى الهدي يسيل عليه من عرض الوادي في قلائده قد أكل أوتاده من طول الحبس عن محله رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظامًا لما رأى فقال: يا معشر قريش إني قد رأيت ما لا يحل صدّه. الهدي في قلائده قد أكل أوتاده من طول الحبس عن محله.
قالوا له: اجلس فإنما أنت رجل أعرابيّ لا علم لك فغضب الحليس عند ذلك، وقال: يا معشر قريش والله ما على هذا حالفناكم ولا على هذا عاقدناكم أن تصدّوا عن بيت الله من جاءه معظمًا له والذي نفس الحليس بيده لتخلنّ بين محمد وبين ما جاء له أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد.
فقالوا: مه كف عنايا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به فقام رجل يقال له مكرز بن حفص. فقال: دعوني آته فقالوا له ائته فلما أشرف عليهم قال النبيّ صلى الله عليه وسلم هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فبينما هو يكلمه إذ جاءه سهيل بن عمر. وقال عكرمة: لما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: قد سهل لكم من أمركم قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات نكتب بيننا وبينك كتابًا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل: أمّا الرحمن فلا أدري من هو ولكن اكتب باسمك اللهمّ كما كنت تكتب فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب باسمك اللهمّ. ثم قال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله. فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت وما قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله.
قال الزهري: وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها».
فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عشر سنين يأمن الناس فيه ويكف بعضهم عن بعض فقال له النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به فقال سهيل: والله لا تتحدّث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذاك من العام المقبل. فكتب فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون: سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلمًا. وروى ابن إسحاق عن البراء قصة الصلح وفيها قالوا: لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا ولكن أنت محمد بن عبد الله قال: أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي: امح رسول الله فقال: والله لا أمحوك أبدًا فقال فأرينه فأراه إياه فمحاه النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده.
وفي رواية فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله قال البراء: صالح على ثلاثة أشياء على أنّ من أتى من المشركين يردّه إليهم ومن أتاهم من المسلمين لم يردوه على أن يدخلها من قابل ويقيم بها ثلاثة أيام ولا يدخلها بجلبان السلاح السيف والقوس ونحوه. وروى في صلح الحديبية طرق أخر في بعضها زيادات وفي بعضها نقصان عن بعض. وقوله تعالى: {والهدي} معطوف على كم من صدوكم أي وصدوا الهدي وهو البدن التي ساقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت سبعين.
وقوله تعالى: {معكوفًا} أي: محبوسًا حال وقوله تعالى: {أن يبلغ محله} أي: مكانه الذي ينحر فيه عادة وهو الحرم بدل اشتمال {ولولا رجال} أي: مقيمون بين أظهر الكفار بمكة {مؤمنون} أي: غريقون في الإيمان فكانوا لذلك أهلًا للوصف بالرجولية {ونساء مؤمنات} أي: كذلك حبس الكل عن الهجرة العذر لأنّ الكفار لكثرتهم استضعفوهم فمنعوهم الهجرة، على أنّ ذلك شامل لمن جبله الله تعالى على الخير وعلم منه الإيمان وإن كان في ذلك الوقت كافرًا {لم تعلموهم} أي: لم يحط علمكم بهم من جميع الوجوه لتميزوهم بأعيانهم عن المشركين لأنهم ليس لهم قوّة التمييز منهم وأنتم لا تعرفون أماكنهم لتعاملوهم بما هم له أهل ولا سيما في حال الحرب والطعن والضرب ثم أبدل من الرجال والنساء قوله تعالى: {أن تطؤهم} أي تؤذوهم بالقتل أو ما يقاربه من الجراح والضرب والنهب ونحو ذلك.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهمّ أشدد وطأتك على مضر» {فتصيبكم} أي: فيتسبب عن هذا الوطء أن تصيبكم {منهم} أي: من جهتهم وبسببهم {معرّة} أي: مكروه كوجوب الدية والكفارة بقتلهم والتأسف عليهم وتغيير الكفار بذلك والإثم بالتقصير في البحث مفعلة من عرّه إذا عراه ما يكرهه وقوله تعالى: {بغير علم} متعلق بأن تطؤوهم أي: غير عالمين بهم وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه.
والمعنى ولولا كراهة أن تهلكوا أناسًا مؤمنين بين أظهر الكافرين جاهلين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم.
فإن قيل: أي: معرة تصيبهم إذا قتلوهم وهم لا يعلمون، أجيب: بأنهم يصيبهم وجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين إنهم فعلوا بأهل دينهم مثل ما فعلوا بنا من غير تمييز والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير.
وقوله تعالى: {ليدخل الله} أي: الذي له جميع صفات الكمال متعلق بمقدّر أي كان انتفاء التسليط على أهل مكة وانتفاء العذاب ليدخل الله. قال البغوي: اللام في {ليدخل} متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام يعني ليدخل الله {في رحمته} أي: في إكرامه وإنعامه {من يشاء} بعد الصلح قبل أن يدخولها من المشركين بأن يعطفهم إلى الإسلام، ومن المؤمنين بأن يستنقذهم منهم على أرفق وجه. وقوله تعالى: {لو تزيلوا} يجوز أن يعود على المؤمنين فقط أو على الكافرين أو على الفريقين والمعنى لو تميز هؤلاء من هؤلاء {لعذبنا} أي: بأيديكم بتسليطنا لكم عليهم بالقتل والسبي {الذين كفروا} أي: أوقعوا ستر الإيمان {منهم} أي: أهل مكة {عذابًا أليمًا} أي شديد الإيجاع. قال قتادة: في الآية أنّ الله تعالى يدفع بالمؤمنين عن الكافرين كما دفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكة ولما بين شرط استحقاقهم للعذاب بين وقته وفيه بيان العلة.
فقال تعالى: {إذ} أي: حين {جعل الذين كفروا} أي: ستروا ما تراءى من الحق في مرائي عقولهم وقوله تعالى: {في قلوبهم} أي: في قلوب أنفسهم يجوز أن يتعلق بجعل على أنها بمعنى ألقى فتتعدّى لواحد أي إذ ألقى الكافرون في قلوبهم الحمية وأن يتعلق بمحذوف على أنه مفعول ثان قدّم على أنها بمعنى صير {الحمية} أي: المنع الشديد والإباء الذي هو في شدّة حرّه ونفوذه في أشدّ الأجسام كالسمّ والنار وأنشدوا:
إلا إنني منهم وعرضي عرضهم ** كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشما

وقرأ أبو عمر وفي الوصل بكسر الهاء والميم وحمزة والكسائي: بضم الهاء والميم والباقون: بكسر الهاء وضم الميم وأظهر الذال عند الجيم نافع وابن كثير وابن ذكوان وعاصم وأدغمها الباقون وقوله تعالى: {حمية الجاهلية} بدل من الحمية قبلها ووزنها فعلية وهي مصدر يقال حميت من كذا حمية وحمية الجاهلية: هي التي مدارها مطلق المنع سواء كان بحق أم باطل فتمنع من الإذعان للحق ومبتاها على التشفي على مقتضى الغضب لغير الله فتوجب تخطي حدود الشرع ولذلك أنفوا من دخول المسلمين مكة المشرّفة لزيارة البيت العتيق الذي الناس فيه سواء. قال مقاتل: قال أهل مكة قتلوا أبناءنا وإخواننا ثم يدخول علينا فتتحدّث العرب أنهم دخلوا علينا على رغم أنفنا واللات والعزى لا يدخلونها علينا فهذه حمية الجاهلية التي دخلت قلوبهم.
{فأنزل الله} أي: الذي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء بسبب حميتهم {سكينته} أي: الشيء اللائق إضافته إليه سبحانه من الفهم عن الله والروح الموجب لسكون القلب المؤثر للإقدام على العدوّ والنصر عليه انزالًا كافيًا {على رسوله} الذي عظمته من عظمته ففهم عن الله مراده في هذه القضية فجرى على أتم ما يرضيه {وعلى المؤمنين} أي: الغريقين في الإيمان لأنهم أتباع رسوله وأنصار دينه فألزمهم قبول أمره وحماهم من همزات الشياطين ولم يدخلهم ما دخل الكفار من الحمية فيقاتلوا غضبًا لأنفسهم فيتعدوا حدود الشرع {وألزمهم} أي: المؤمنين إلزام إكرام وتشريف لا إلزام إهانة وتعنيف {كلمة التقوى} فإنها السبب الأقوى وهي كل قول أو فعل ناشىء عن التقوى وأعلاه كلمة الإخلاص المتقدّمة في القتال وهي لا إله إلا الله التي هي أحق الحق ولا بدّ من قول محمد رسول الله وإلا لم يتم إسلامه وعن الحسن: كلمة التقوى هي الوفاء بالعهد. ومعنى إضافتها إلى التقوى إنها سبب التقوى وأساسها، وقيل: كلمة أهل التقوى وقيل هي بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله {وكانوا} أي: جبلة وطبعًا {أحق بها} أي: كلمة التقوى من الكفار {وأهلها} أي: وكانوا أهلها في علم الله تعالى لأنّ الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير {وكان الله} أي: المحيط علمًا وقدرةً {بكل شيء} من ذلك وغيره {عليمًا} أي: محيط العلم وروي أنه صلى الله عليه وسلم رأى في المنام في المدينة عام الحديبية قبل خروجه أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين ويحلقون ويقصرون فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فلما خرجوا معه وصدّهم الكفار بالحديبية رجعوا وشق عليهم ذلك وراب بعض المنافقين فأنزل الله.
قوله تعالى: {لقد صدق الله} أي: الذي لا كفؤ له المحيط بجميع صفات الكمال {رسوله} الذي هو أعز الخلائق عنده وهو غني عن الأخبار عما لا يكون أنه يكون فيكف إذا كان المخبر رسوله {الرؤيا} التي هي من الوحي أي صدقه في رؤياه ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوًّا كبيرًا. فحذف الجار وأوصل الفعل. كقوله تعالى: {صدقوا ما عاهدوا الله عليه}.
وروي عن مجمع بن حارثة الأنصاري قال شهدنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما انصرفنا عنها إذا الناس يهزون الأباعر فقال بعضهم: ما بال الناس قالوا: أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخرجنا نرجف فوجدنا النبيّ صلى الله عليه وسلم واقفًا على راحلته على كراع الغميم فلما اجتمع عليه الناس قرأ {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا} فقال عمر: أو فتح هو يا رسول الله قال نعم والذي نفسي بيده ففيه دليل على أن المراد بالفتح صلح الحديبية وتحقيق الرؤيا كان في العام المقبل فقال جل ذكره {لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق} أخبر أن الرؤيا التي أراه إياها في مخرجه إلى الحديبية أنه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام صدق وحق وقوله تعالى: {بالحق} فيه أربعة أوجه.